فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

اختلفوا فيما به يزداد الكفر، والضابط أن المرتد يكون فاعلًا للزيادة بأن يقيم ويصر فيكون الإصرار كالزيادة، وقد يكون فاعلًا للزيادة بأن يضم إلى ذلك الكفر كفرًا آخر، وعلى هذا التقدير الثاني ذكروا فيه وجوهًا:
الأول: أن أهل الكتاب كانوا مؤمنين بمحمد عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه، ثم كفروا به عند المبعث، ثم ازدادوا كفرًا بسبب طعنهم فيه في كل وقت، ونقضهم ميثاقه، وفتنتهم للمؤمنين، وإنكارهم لكل معجزة تظهر.
الثاني: أن اليهود كانوا مؤمنين بموسى عليه السلام، ثم كفروا بسبب إنكارهم عيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفرًا، بسبب إنكارهم محمدًا عليه الصلاة والسلام والقرآن.
والثالث: أن الآية نزلت في الذين ارتدوا وذهبوا إلى مكة، وازديادهم الكفر أنهم قالوا: نقيم بمكة نتربص بمحمد صلى الله عليه وسلم ريب المنون.
الرابع: المراد فرقة ارتدوا، ثم عزموا على الرجوع إلى الإسلام على سبيل النفاق، فسمى الله تعالى ذلك النفاق كفرًا. اهـ.
فصل:
قال الفخر:
إنه تعالى حكم في الآية الأولى بقبول توبة المرتدين، وحكم في هذه الآية بعدم قبولها وهو يوهم التناقض، وأيضا ثبت بالدليل أنه متى وجدت التوبة بشروطها فإنها تكون مقبولة لا محالة، فلهذا اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى: {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} على وجوه:
الأول: قال الحسن وقتادة وعطاء: السبب أنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت والله تعالى يقول: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إني تُبْتُ الآن} [النساء: 18].
الثاني: أن يحمل هذا على ما إذا تابوا باللسان ولم يحصل في قلوبهم إخلاص.
الثالث: قال القاضي والقفال وابن الأنباري: أنه تعالى لما قدم ذكر من كفر بعد الإيمان، وبيّن أنه أهل اللعنة، إلا أن يتوب ذكر في هذه الآية أنه لو كفر مرة أخرى بعد تلك التوبة فإن التوبة الأولى تصير غير مقبولة وتصير كأنها لم تكن، قال وهذا الوجه أليق بالآية من سائر الوجوه لأن التقدير: إلا الذين تابوا وأصلحوا فإن الله غفور رحيم، فإن كانوا كذلك ثم ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم، الرابع: قال صاحب الكشاف: قوله: {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} جعل كناية عن الموت على الكفر، لأن الذي لا تقبل توبته من الكفار هو الذي يموت على الكفر، كأنه قيل إن اليهود والمرتدين الذين فعلوا ما فعلوا مائتون على الكفر داخلون في جملة من لا تقبل توبتهم الخامس: لعلّ المراد ما إذا تابوا عن تلك الزيادة فقط فإن التوبة عن تلك الزيادة لا تصير مقبولة ما لم تحصل التوبة عن الأصل، وأقول: جملة هذه الجوابات إنما تتمشى على ما إذا حملنا قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بَعْدَ إيمانهم ثُمَّ ازدادوا كُفْرًا} على المعهود السابق لا على الاستغراق وإلا فكم من مرتد تاب عن ارتداده توبة صحيحة مقرونة بالإخلاص في زمان التكليف، فأما الجواب الذي حكيناه عن القفال والقاضي فهو جواب مطرد سواء حملنا اللفظ على المعهود السابق أو على الاستغراق. اهـ.

.قال الزمخشري:

فإن قلت: فحين كان المعنى {لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} بمعنى الموت على الكفر، فهلا جعل الموت على الكفر مسببًا عن ارتدادهم وازديادهم الكفر لما في ذلك من قساوة القلوب وركوب الرين وجرّه إلى الموت على الكفر؟
قلت: لأنه كم من مرتد مزداد للكفر يرجع إلى الإسلام ولا يموت على الكفر.
فإن قلت: فأي فائدة في هذه الكناية، أعني أن كنى عن الموت على الكفر بامتناع، قبول التوبة؟
قلت: الفائدة فيها جليلة، وهي التغليظ في شأن أولئك الفريق من الكفار، وإبراز حالهم في صورة حالة الآيسين من الرحمة التي هي أغلظ الأحوال وأشدّها، ألا ترى أنّ الموت على الكفر إنما يخاف من أجل اليأس من الرحمة. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {كفرًا} تمييز منقول من الفاعلية، والأصل: ثم ازداد كفرُهم، والدال الأولى بدل من تاء الافتعال؛ لوقوعها بعد الزاي، كذا أعربه أبو حيان، وفيه نظر؛ إذ المعنى على أنه مفعول به، وهي أن الفعل المتعدي لاثنين إذا جُعِل مطاوعاص نقص مفعولًا، وهذا من ذاك؛ لأن الأصل: زدت زيدًا خيرًا فازداده، وكذلك أصل الآيةِ الكريمةِ: زادهم الله كُفرًا فازدادوه، فلم يؤت هنا بالفاء داخلةً على {لَنْ} وأتي بها في {لَنْ} الثانية، لأن الفاءَ مُؤذِنَةً بالاستحقاق بالوصف السابق- لأنه قد صَرَّحَ بقَيْد مَوْتِهِم على الكُفْر، بخلاف {لَنِ} الأولى، فإنه لم يُصَرِّحْ ممعها به فلذلك لم يُؤتَ بالفاء. اهـ.

.قال القرطبي:

{لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} مشكل لقوله: {وَهُوَ الذي يَقْبَلُ التوبة عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات} [الشورى: 25] فقيل: المعنى لن تقبل توبتهم عند الموت.
قال النحاس: وهذا قول حسن؛ كما قال عز وجل: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السيئات حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآن} [النساء: 18].
ورُوي عن الحسن وقتادة وعطاء.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يُغَرْغر» وسيأتي في النساء بيان هذا المعنى.
وقيل: {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُم} التي كانوا عليها قبل أن يكفروا؛ لأن الكفر قد أحبطها.
وقيل: {لن تقبل توبتهم} إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر؛ وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام.
وقال قطرب: هذه الآية نزلت في قوم من أهل مكة قالوا: نتربص بمحمد ريب المنون، فإن بدا لنا الرّجعة رجعنا إلى قومنا.
فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازدادوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} أي لن تقبل توبتهم وهم مقيمون على الكفر؛ فسماها توبة غير مقبولة؛ لأنه لم يصح من القوم عزم، والله عز وجل يقبل التوبة كلها إذا صحّ العزم. اهـ.

.قال ابن عطية:

وتحتمل الآية عندي أن تكون إشارة إلى قوم بأعيانهم من المرتدين ختم الله عليهم بالكفر، وجعل ذلك جزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين، وهم الذي أشار إليهم بقوله: {كيف يهدي الله قومًا} [آل عمران: 86] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها، فتجيء الآية بمنزلة قول الشاعر:
على لاحب لا يهتدى بمناره

أي قد جعلهم الله من سخطه في حيز من لا تقبل له توبة إذ ليست لهم، فهم لا محالة يموتون على الكفر، ولذلك بيّن حكم الذين يموتون كفارًا بعقب الآية، فبانت منزلة هؤلاء، فكأنه أخبر عن هؤلاء المعينين، أنهم يموتون كفارًا، ثم أخبر الناس عن حكم من يموت كافرًا. اهـ.

.قال الألوسي:

{لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} قال الحسن وقتادة والجبائي: لأنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت والمعاينة وعند ذلك لا تقبل توبة الكافر، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لأنها لم تكن عن قلب، وإنما كانت نفاقًا، وقيل: إن هذا من قبيل:
ولا ترى الضب بها ينجحر

أي لا توبة لهم حتى تقبل لأنهم لم يوفقوا لها فهو من قبيل الكناية كما قال العلامة دون المجاز حيث أريد بالكلام معناه لينتقل منه إلى الملزوم، وعلى كل تقدير لا ينافي هذا ما دل عليه الاستثناء وتقرر في الشرع كما لا يخفى، وقيل: إن هذه التوبة لم تكن عن الكفر وإنما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه فتابوا عنها مع إصرارهم على الكفر فردت عليهم لذلك، ويؤيده ما أخرجه ابن جرير عن أبي العالية قال: هؤلاء اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أذنبوها ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم فلم تقبل توبتهم ولو كانوا على الهدى قبلت ولكنهم على ضلالة، وتجيء على هذا مسألة تكليف الكافر بالفروع وقد بسط الكلام عليها في الأصول. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وتأويل {لن تقبل توبتهم} إما أنه كناية عن أنهم لا يتوبون فتقبَل توبتهم كقوله تعالى: {ولا يقبل منها شفاعة} [البقرة: 48] أي لا شفاعة لها فتقبل وهذا كقول امرئ القيس:
على لاَحب لا يُهتدَى بمناره

أي لا منار له، إذ قد علم من الأدلة أنّ التوبة مقبولة ودليله الحصر المقصود به المبالغة في قوله: {وأولئك هم الضالون}.
وإمَّا أنّ الله نهى نبيه عن الاغترَار بما يظهرونه من الإسلام نفاقًا، فالمراد بعدم القبول عدم تصديقهم في إيمانهم، وإما الأخبار بأنّ الكفر قد رسخ في قلوبهم فصار لهم سجية لا يحولون عنها، فإذا أظهروا التوبة فهم كاذبون، فيكون عدم القبول بمعنى عدم الاطمئنان لهم، وأسرارُهم موكولة إلى الله تعالى.
وقد أسلم بعض اليهود قبل نزول الآية: مثل عبد الله بن سلام، فلا إشكال فيه، وأسلم بعضهم بعد نزول الآية.
وقيل المراد الذين ارتدّوا من المسلمين وماتوا على الكفر، فالمراد بالازدياد الاستمرار وعدم الإقلاع. اهـ.

.قال الطبري:

وإنما قلنا: معنى ازديادهم الكفر: ما أصابوا في كفرهم من المعاصي، لأنه جل ثناؤه قال: {لن تقبل توبتهم}، فكان معلومًا أن معنى قوله: {لن تقبل توبتهم}، إنما هو معنيٌّ به: لن تقبل توبتهم مما ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم، لا من كفرهم. لأن الله تعالى ذكره وعد أن يقبل التوبة من عباده فقال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [سورة الشورى: 25]، فمحالٌ أنْ يقول عز وجل: أقبل ولا أقبل في شيء واحد. وإذْ كان ذلك كذلك وكان من حُكم الله في عباده أنه قابلٌ توبةَ كل تائب من كل ذنب، وكان الكفر بعد الإيمان أحدَ تلك الذنوب التي وعد قَبول التوبة منها بقوله: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} علم أنّ المعنى الذي لا يقبل التوبةَ منه، غيرُ المعنى الذي يَقبل التوبة منه. وإذْ كان ذلك كذلك، فالذي لا يَقبل منه التوبة، هو الازدياد على الكفر بعد الكفر، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره، لأن الله لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه وضلاله. فأما إن تاب من شركه وكفره وأصلح، فإنّ الله- كما وصف به نفسه- غفورٌ رحيمٌ.
فإن قال قائل: وما تُنكر أن يكون معنى ذلك كما قال من قال: فلن تقبل توبته من كفره عند حضور أجله وتوبته الأولى؟
قيل: أنكرنا ذلك، لأن التوبة من العبد غير كائنة إلا في حال حياته، فأما بعد مماته فلا توبة، وقد وعد الله عز وجل عبادَه قَبول التوبة منهم ما دامت أرواحُهم في أجسادهم. ولا خلاف بين جميع الحجة في أنّ كافرًا لو أسلم قبل خُرُوج نفسه بطرْفة عين، أنّ حكمه حكم المسلمين في الصلاة عليه، والموارثة، وسائر الأحكام غيرهما. فكان معلومًا بذلك أنّ توبته في تلك الحال لو كانت غير مقبولة، لم ينتقل حكمه من حكم الكفار إلى حكم أهل الإسلام، ولا منزلةَ بين الموت والحياة، يجوزُ أن يقال: لا يقبل الله فيها توبةَ الكافر.
فإذْ صحّ أنها في حال حياته مقبولة، ولا سبيلَ بعد الممات إليها، بطل قولُ الذي زعم أنها غير مقبولة عند حُضُور الأجل.
وأما قول من زعم أنّ معنى ذلك: التوبة التي كانت قبل الكفر، فقولٌ لا معنى له. لأن الله عز وجل لم يصف القوم بإيمان كان منهم بعد كفر، ثم كُفْر بعد إيمان بل إنما وصفهم بكفر بعد إيمان. فلم يتقدم ذلك الإيمان كفرٌ كان للإيمان لهم توبة منه، فيكون تأويل ذلك على ما تأوّله قائل ذلك. وتأويل القرآن على ما كان موجودًا في ظاهر التلاوة إذا لم تكن حجة تدل على باطن خاص- أولى من غيره، وإن أمكن توجيهه إلى غيره. اهـ.

.من أقوال المفسرين في قوله تعالى: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضالون}:

.قال الفخر:

سؤالان:
الأول: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضالون} ينفي كون غيرهم ضالًا، وليس الأمر كذلك فإن كل كافر فهو ضال سواء كفر بعد الإيمان أو كان كافرًا في الأصل والجواب: هذا محمول على أنهم هم الضالون على سبيل الكمال.
السؤال الثاني: وصفهم أولًا بالتمادي على الكفر والغلو فيه والكفر أقبح أنواع الضلال والوصف إنما يراد للمبالغة، والمبالغة إنما تحصل بوصف الشيء بما هو أقوى حالًا منه لا بما هو أضعف حالًا منه والجواب: قد ذكرنا أن المراد أنهم هم الضالون على سبيل الكمال، وعلى هذا التقدير تحصل المبالغة. اهـ.

.قال ابن عادل:

قوله: {وأولئك هم الضالون} في هذه الجملة ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون في محل رفع؛ عَطْفًا على خبر إنَّ، أي: إن الذين كفروا لن تُقْبَلَ توبتُهم، وإنهم أولئك هم الضَّالُّون.
الثاني: أن تُجعل معطوفةً على الجملة المؤكَّدة بإن، وحينئذ فلا محل لها من الإعراب، لعَطْفِها على ما لا محل له.
الثالث: هو إعرابها بأن تكون الواو للحال، فالجملة بعدها في محل نصب على الحال، والمعنى: لن تقبل توبتهم من الذنوب، والحال أنهم ضالُّون، فالتوبة والضلال متنافيان، لا يجتمعان، قاله الراغب.
وهو بعيد في التركيب، وإن كان قريب المعنى.
قال أبو حيان: وينبو عن هذا المعنى هذا التركيب إذْ لو أريد هذا المعنى لم يُؤتَ باسم الإشارة. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} هذه الآية الكريمة تدل على أن المرتدين بعد إيمانهم المزدادين كفرا لا يقبل الله توبتهم إذا تابوا؛ لأنه عبّر بـ {لن} الدالة على نفي الفعل في المستقبل، مع أنه جاءت آيات أخر دالة على أن الله يقبل توبة كل تائب قبل حضور الموت، وقبل طلوع الشمس من مغربها، كقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}، وقوله: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}، وقوله: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}، فإنه يدل بمفهومه على أن التوبة قبل إتيان بعض الآيات مقبولة من كل تائب، وصرّح تعالى بدخول المرتدين في قبول التوبة قبل هذه الآية مباشرة في قوله تعالى: {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حقٌّ} إلى قوله: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} فالاستثناء في قوله: {إلا الذين تابوا} راجع إلى المرتدين بعد الإيمان المستحقين للعذاب واللعنة إن لم يتوبوا، ويدل له قوله تعالى: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر} الآية؛ لأنّ مفهومه أنه إذا تاب قبل الموت قبلت توبته مطلقا.